هل سبق أن خطر ببالك أن نوبات الإنزعاج والعصبية التي يمر بها ابنك المراهق ما هي إلا عرض من أعراض اكتئاب المراهقة الذي يصاب به الكثير من الأشخاص في هذه المرحلة العمرية ؟
يمر المراهقون كغيرهم بالكثير من الظروف التي قد تزعجهم, ولكن إذا أضفنا إلى هذه الظروف التغيرات الكبيرة في الهرمونات لديهم, فإننا نستطيع أن نفهم سبب التقلبات الحادة في مزاجهم, حيث أثبتت الإحصائيات الحديثة أن واحداً من كل ثمانية مراهقين يعاني من اكتئاب المراهقة, ومن حسن الحظ أن الإكتئاب مرض يمكن علاجه والتغلب عليه وعلى الكثير من الأعراض الأخرى المصاحبة له, لذلك إذا شعرت أن ابنك المراهق يعاني من التعاسة والكآبة لأكثر من أسبوعين, خصوصاً إذا تزامنت هذه الحالة مع بعض الأعراض الأخرى الشائعة للإكتئاب, عندها يجب أن تضع بعين الإعتبار ضرورة استشارة طبيب مختص .

لماذا يصاب المراهقون بالإكتئاب ؟

هناك الكثير من الأمور التي يمكن أن تسبب الإكتئاب للمراهقين، فمثلا، يولي بعض المراهقين اهتماماً كبيراً لعلاماتهم المدرسية، ويعتبرونها مقياسا لقيمتهم الشخصية, لذلك, فإن الحصول على علامة سيئة في إحدى المواد يعتبر سبباً وجيهاً للإصابة بالإكتئاب لدى المراهقين, كما أن المكانة الإجتماعية لعائلاتهم, ووضعهم المادي ومدى تقبل زملائهم لهم، جميعها عوامل قد تسبب لهم الإكتئاب, وبغض النظر عن المسبب, عندما يشعر المراهقون بعدم الرغبة بممارسة هواياتهم المفضلة, أو عندما يشعرون بالوحدة بالرغم من وجود أصدقائهم المفضلين حولهم أو عندما يشعرون بالملل والكئابة ولا يتوجهون لممارسة أنشطتهم المفضلة, فإن هذه كلها مؤشرات قوية على احتمال إصابتهم باكتئاب المراهقة .

أعراض اكتئاب المراهقين :

عادة تظهر على المراهقين المصابين بالإكتئاب تغيرات واضحة وملحوظة في  السلوك وطريقة التفكير, فهم غالبا ما يبدون محبطين, ولا يملكون الدافع للقيام بأي شيء, حيث يعزلون أنفسهم في غرفهم ولا يغادرونها إلا للضرورة, كما يظهر عليهم تغير في عادات الأكل, وقد ينامون لساعات طويلة, وأحيانا قد يظهرون بعض الميول الإجرامية مثل السرقة من المحلات التجارية, وفيما يلي سنذكر بعض الأعراض التي قد تظهر على الشخص المصاب باكتئاب المراهقة :

– اللامبالاة
– الشعور بآلام في مناطق مختلفة من الجسم كالصداع، وآلام المعدة، وآلام أسفل الظهر، أو التعب والشعور بالضعف العام .
– صعوبة التركيز.
– صعوبة اتخاذ القرارات.
– الشعور بالذنب بشكل مفرط أو غير مبرر .
– التصرف بطريقة فوضوية غير مسؤولة, على سبيل المثال، نسيان الالتزامات، والتأخر عن الحصص, أو التغيب عن المدرسة دون الإكتراث بالعقوبات والنتائج المترتبة على ذلك.
– عدم الرغبة بنتاول الطعام بالرغم من الجوع ،أو الإفراط القهري في تناول الطعام, مما يؤدي إلى فقدان الوزن أو زيادته بشكل سريع وملحوظ .
– فقدان الذاكرة .
– التفكير المتشائم وذكر الموت بشكل كبير .
– السلوك المتمرد .
– الشعور بالحزن والقلق أو الشعور باليأس .
– الإستيقاظ خلال الليل, والنوم خلال النهار .
– انخفاض مفاجئ في المستوى التحصيلي .
– التدخين وتعاطي الكحول أو المخدرات, أو ممارسة الأنشطة الجنسية.
– الإبتعاد عن الأصدقاء ومحاولة تجنبهم .

هل للإكتئاب علاقة بالوراثة ؟

نعم, إن الإكتئاب الذي يظهر عادة في الفترة العمرية ما بين 15-30 سنة, قد يكون مرتبطاً فعلاً بأسباب وراثية, وفي الحقيقة, فإن معظم المراهقين الذين يصابون بهذا النوع من الإكتئاب, لديهم تاريخ مرضي في أسرهم يتعلق بالإكتئاب .

كيف يتم تشخيص الاكتئاب في سن المراهقة؟

لا توجد أي اختبارات طبية محددة يمكنها الكشف عن الاكتئاب.
ويتمكن العاملون في مجال الرعاية الصحية من كشف الإصابة بالإكتئاب عادة عن طريق إجراء المقابلات والاختبارات النفسية للمراهقين , ومقابلة أفراد أسرهم ومعلميهم وزملائهم, كما يتم الإعتماد على هذه المقابلات أيضاً , لتحديد شدة الاكتئاب لدى المراهق, ومدى قابليته للتعرض لخطر الانتحار, وتقدًّم توصيات العلاج أيضاً استناداً إلى البيانات التي تم جمعها من المقابلات, كما يبحث الطبيب عادة عن أية علامات تشير إلى الإصابة باضطرابات نفسية أخرى محتملة, مثل القلق أو تعاطي المخدرات أو أشكال معقدة من الاكتئاب مثل الاضطراب الثنائي القطب, كما يقيم الطبيب كذلك قابلية المراهق للإقدام على الانتحار أو إيذاء الآخرين أو قتلهم .

 وتظهر الإحصاءات أن محاولات الانتحار وإيذاء النفس في وسط الإناث أكثر منها بين الذكور، ولكن نسب الانتحار الفعلي تعتبر أعلى في الذكور من الإناث, وتزداد نسب الإنتحار الفعلي بشكل خاص في الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين سن 18 و24 عاماً .

كيف يتم علاج الاكتئاب في سن المراهقة؟

هناك العديد من الطرق المستخدمة لعلاج الاكتئاب، بما في ذلك الأدوية والعلاج النفسي. وقد تكون البرامج العلاجية الأسرية مفيدة أيضا في الحالات التي تلعب فيها المشاكل الأسرية دوراً أساسياً في اكتئاب المراهق . كما يحتاج المراهق إلى الدعم من العائلة أو المعلمين للمساعدة في حل أي مشكلة تواجهه في المدرسة . وفي بعض الأحيان، عندما يعاني المراهق من حالة إكتئاب شديدة,  فقد يكون هناك حاجة إلى دخوله المستشفى لمتابعة حالته عن كثب من قبل الأطباء النفسيين.

في حالات نادرة, يمكن أن تزيد الادوية المضادة للاكتئاب من السلوكات الخطيرة والتفكير الإنتحاري لدى الأطفال والمراهقين الذين يعانون من الاكتئاب والاضطرابات النفسية الأخرى, لذا فإن استخدام مضادات الاكتئاب في المرضى الأصغر سناً يتطلب مراقبة وثيقة ومتابعة خاصة من قبل الطبيب المعالج .

هل تعتبر الأدوية المضادة للإكتئاب علاجاً فعالاً للأطفال والمراهقين الذين يعانون من الإكتئاب ؟

نعم , بالتأكيد, فقد أظهر عدد كبير من التجارب البحثية فعالية أدوية الاكتئاب في تخفيف أعراض الاكتئاب لدى المراهقين, واستعرضت إحدى الدراسات الرئيسية الحديثة, ثلاثة طرق مطروحة لعلاج المراهقين الذين يعانون من الاكتئاب المعتدل أو الإكتئاب الشديد :

– الطريقة الأولى, استخدام مضاد الاكتئاب بروزاك، حيث تمت الموافقة عليه من قبل ادارة الاغذية والعقاقير للاستخدام الآمن للمرضى الذين تتراوح أعمارهم بين 8-18عاما .

– الطريقة الثانية, استخدام العلاج السلوكي المعرفي، لمساعدة المراهقين على التعرف على أنماط التفكير السلبية التي يعانون منها, والتي تزيد من حدة الإكتئاب لديهم, لتغييرها والحد من أثرها في حياتهم .

– أما الطريقة الثالثة, فهي مزيج من العلاج الدوائي والعلاج النفسي وتسمى بالعلاج المركب .

وفي نهاية الدراسة التي استمرت 12 أسبوعا، وجد الباحثون أن ما يقارب ثلاثة من كل أربعة مرضى تلقوا العلاج المركب – أدوية الاكتئاب والعلاج النفسي معا – أظهروا تحسناً بشكل ملحوظ، وأن أكثر من 60٪ من المراهقين الذين تم علاجهم بمضاد الإكتئاب بروزاك تحسنوا أيضا , غير أن الدراسة أكدت أن نسب التحسن في المراهقين الذين خضعوا للعلاج النفسي بمفرده وصلت إلى ما يقارب 37% فقط .

ما هي علامات التحذيرية للانتحار لدى المراهقين المصابين بالإكتئاب ؟

يعتبر انتحار المراهقين الناتج عن الإكتئاب السبب الرئيسي الثاني للوفاة بعد حوادث السيارات في أمريكا, حيث تذكر الدراسات لديهم أن ما يقدر ب 500000 مراهق سنويا يحاولون الإنتحار, بينما ينجح 5000 منهم في الإنتحار بالفعل, وهذه في الواقع أرقام مخيفة, وتستدعي التحرك بسرعة للحد منها .
و تظهر على المراهق المصاب بالإكتئاب بعض العلامات والسلوكات المميزة التي تساعد من حوله في معرفة ما إن كان يفكر في  الإنتحار, ومن هذه العلامات :

– تعبيره الدائم عن اليأس والتشاؤم من المستقبل .
– عدم إهتمامه بنفسه, واعتبار أنه شخص غير مهم لدى أسرته أو أصدقائه .
– استعداده للموت، ويظهر هذا الإستعداد في عدة تصرفات, كتخليه عن ممتلكاته المفضلة، وكتابة رسائل وداع لعائلته وأصدقائه .
– تعاطي المخدرات أو الكحول,  لتساعده في النوم أو التخفيف من آلامه النفسية .
– تهديد الآخرين بإيذاء نفسه.

إذا كان المراهق يظهر أيا من هذه السلوكات, يجب على الأشخاص القريبين منه طلب المساعدة من أخصائي الصحية النفسية على الفور, أو الاتصال بالنجدة للحصول على المساعدة اللازمة , ومن المهم أن نعرف أن الاكتئاب قد يدفع الشخص للانتحار بالفعل, لذلك, فإن علينا الإنتباه إلى المؤشرات السابقة, وأخذها على محمل الجد, وطلب المساعدة فور إحساسنا بخطورة الموقف .

ماذا يمكن للوالدين أن يفعلا للتخفيف من اكتئاب ابنهما المراهق ؟

إن التعامل مع المراهقين ورعايتهم أمر صعب بشكل عام, وتزداد صعوبة هذا الأمر عند إصابتهم بالإكتئاب,  لذلك, يعطينا الأطباء بعض النصائح الخاصة التي يمكن استخدامها للتواصل مع المراهق بشكل أفضل ومساعدته في خفض مستوى التوتر والإكتئاب لديه :

– عند ارتكاب المراهق لخطأ ما, لا تقم بتأنيبه وإثارة الشعور بالذنب لديه, بل  استبدل العقاب المهين بالحوار المنطقي، وضع قوانين حازمة لمنع حدوث هذا الخطأ مرة أخرى , وقم بتعزيز السلوكات الإيجابية التي ترغب في ان يستمر عليها, إذا فعلت ذلك, فإنك تجنبه واحدا من أكبر مسببات الإكتئاب لدى المراهقين .

– دع ابنك المراهق يجرب فعل الأشياء بنفسه, وإن أخطأ, ثق بقدراته وامنحه مساحة من الحرية ليتعلم من أخطائه البسيطة, ولا تتدخل في شؤونه بشكل مفرط, حاول أن تتأكد دوماً أن الأمور تحت السيطرة, وأنه لا يعرض نفسه للخطر, ولكن دعه يتخذ قرارته المهمة بنفسه, فهذا حتما سيزيد تقديره لذاته, ويقلل من احتمال اصابته بالإكتئاب .

– أعط ابنك المراهق فرصة ليمارس بعض النشاطات التي يرغب بها, ولا تتوقع منه دائماً أن يفعل ما تأمره به, فتمرده أحيانا قد يكون تعبيرا عن الرغبة بإثبات نفسه والتصرف باستقلالية .

– لا تجبر ابنك على ممارسة الأنشطة التي تحبها أنت, وتجنب محاولة عكس صورتك في  شبابك عليه, فهذا سيجعله شخصا مسلوب الإرادة , أو شخصا متمردا وساخطا, تقبل الاختلاف بينك وبينه, واحترم ميوله ورغباته .

– إذا شعرت أن ابنك المراهق يعاني من الاكتئاب، خذ الوقت للاستماع إلى مخاوفه. حتى لو كنت تعتقد أن المشكلة التي يواجهها لا تشكل مصدر قلق حقيقي، تذكر أن هذا النوع من المشاكل  قد يشكل تهديدا حقيقيا من وجهة نظر من هم في عمره .

– حاور ابنك دائما, وأعطه الثقة ليخبرك بأي شيء يخطر بباله, وحاول دوما أن تبقى على علاقة جيدة به, وتحافظ على التواصل بينكما ،حتى لو شعرت أنه يرغب بالإنسحاب والتكتم على بعض الأمور .

– حاول تجنب إخبار المراهقين بما يجب القيام به، ولا تطلق أحكاما مسبقة على المواقف التي يمرون بها, بدلا من ذلك، استمع إليهم بإصغاء لتتمكن من اكتشاف المزيد حول الأمور التي تسبب المشاكل لهم .

إذا شعرت أن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة, وأنك لا تستطيع التعامل مع ابنك المراهق بالطريقة المناسبة, أطلب المساعدة من المختصين الأسريين والتربويين, لتتعرف على الطريقة المناسبة التي يجب أن تعامل ابنك بها .

هل يمكن أن يشفى الشخص المصاب باكتئاب المراهقة دون علاج طبي؟

 الاكتئاب لدى المراهقين ليس حالة ثابتة, فهو يظهر ويختفي من حين لآخر, ولكن بمجرد إصابة المراهق بالإكتئاب ولو لمرة واحدة, فإنه يصبح أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب مرة أخرى, وإذا ترك الإكتئاب دون علاج مرارا وتكرارا,  فإنه قد يتسبب بالكثير من الإضطرابات النفسية والسلوكية الخطيرة والتي قد تكون ذات تأثير مدمر لصحة المراهق ونفسيته, وقد تنتهي نهاية بالانتحار .

2 thoughts on “كل ما يجب أن تعرفه عن اكتئاب المراهقين

Comments are closed.