سبق أن أشارت بعض الدراسات إلى أن زيادة الوزن يمكن أن تقلل من حساسية الشخص لنكهة الطعام، وأن هذا التأثير يمكن عكسه عندما يفقد الوزن مرة أخرى، ولم تتضح أنذاك الكيفية التي تحدث فيها هذه الظاهرة. ولكن دراسة حديثة نشرت في 20 مارس من عام 2018، في مجلة “بلاس بيولوجي” من قبل أندرو كاوفمان، وروبن داندو، وزملائهم في جامعة كورنيل عزت سبب هذا الضعف في حاسة التذوق إلى الالتهابات التي تحفزها السمنة في معظم أنسجة الجسم، والتي تؤثر بدورها على براعم التذوق، حيث أثبتت الدراسة أن الإلتهابات المرتبطة بالسمنة لدى الفئران عملت على تقليل عدد براعم التذوق الموجودة في ألسنتها.
يتكون برعم التذوق من حوالي 50 إلى 100 خلية مقسمة إلى ثلاثة أنواع رئيسية، لكل منها أدوار مختلفة في استشعار النكهات الرئيسية الخمسة (المالح والحلو والمر والحامض والأومامي). وتتجدد الخلايا الموجودة في براعم التذوق عادة بشكل سريع، فمتوسط عمرها لا يتجاوز 10 أيام.
ولاستكشاف أثر السمنة على براعم التذوق والتغييرات التي تحدثها فيها، قام الباحثون بإخضاع مجموعتين من الفئران لنظامين غذائيين مختلفين، حيث خضعت مجموعة لنظام غذائي طبيعي يتكون من 14٪ من الدهون، وخضعت المجموعة الأخرى لنظام تسمين يتكون في 58٪ منه من الدهون، وبعد 8 أسابيع، ازداد وزن الفئران التي خضعت لنظام التسمين أصبح وزنها أعلى من الوزن الطبيعي بمقدار الثلث، ولكن من اللافت للنظر أن عدد براعم التذوق على ألسنة الفئران السمينة كانت أقل بنسبة 25٪ من عدد براعم التذوق لدى الفئران ذات الوزن الطبيعي، والتي لم يظهر لديها أي نقص في عدد براعم التذوق أو تغيير في حجمها المتوسط، أو طبيعة توزيع أنواع الخلايا الثلاثة فيها بشكل عام.
عادةً ما يتم تجديد خلايا براعم التذوق من خلال نظام متوازن من موت الخلايا المبرمج (وهي عملية تعرف باسم الاستموات) وتوليد خلايا جديدة من خلايا خاصة. ومع ذلك، لاحظ الباحثون أن معدل موت الخلايا المبرمج زاد في الفئران السمينة، كما انخفض عدد الخلايا الخاصة التي تعمل على تجديد براعم التذوق، مما يؤدي نهاية إلى انخفاض عدد براعم التذوق لدى هذه الفئران، أما الفئران التي كانت مقاومة للسمنة بسبب بعض العوامل الوراثية، فلم تظهر لديها هذه التأثيرات، حتى عندما تغذت على نظام غذائي غني بالدهون، مما يعني أن نقص عدد براعم التذوق لا يعزى إلى استهلاك الدهون في حد ذاتها، بل إلى تراكم الأنسجة الدهنية في الجسم أو السمنة.
من المعروف أن السمنة مرتبطة بحالة التهاب مزمن خفيف يؤثر على جميع أنسجة الجسم، كما أن الأنسجة الدهنية تنتج السيتوكينات وهي مواد محفزة للالتهابات تعمل كإشارات بين الخلايا – و يعتبر TNF-alpha أحد أهم هذه المركبات، وقد وجد الباحثون أن النظام الغذائي عالي الدهون يزيد من مستوى TNF-alpha المحيط ببراعم التذوق لدى الفئران، مما يسبب انخفاض عددها، ولكن من الملفت للنظر، أن الفئران التي كانت عاجزة عن صنع TNF-alpha لأسباب وراثية، لم يظهر لديها أي انخفاض في عدد براعم التذوق، على الرغم من زيادة وزنها بسبب النظام الغذائي الغني بالدهون.
وعلى العكس من ذلك، عندما حقن TNF-alpha مباشرة في ألسنة الفئران النحيلة التي كانت تتغذى على نظام غذائي عادي، تناقصت أعداد براعم التذوق لديها، بالرغم من انخفاض مستوى الدهون في أجسامها.
ومما سبق استنتج الباحثون أن السمنة الناتجة عن اتباع نظام غذائي غني بالدهون تسبب إلتهابا خفيفا في أنسجة الجسم، مما يؤدي إلى حدوث خلل في آلية تجديد براعم التذوق، مما يعني نقصها، وضعف حساسية اللسان للنكهات المختلفة، ويأمل الباحثون أن يسهم هذا البحث في إيجاد استراتيجيات علاجية جديدة لتخفيف حدة مشكلة ضعف التذوق في الأشخاص المصابين بالسمنة.