وفقاً لدراسات المعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية، فإن ما يقدر بنحو 15.7 مليون من البالغين في عمر 18 عاماً وأكثر في الولايات المتحدة، مروا بحالة اكتئاب واحدة على الأقل في عام 2014. وهم يشكلون ما نسبته 6.7 في المائة من جميع البالغين في الولايات المتحدة.
 ومع ذلك ما زال أمامنا طريق طويل للتوعية حول هذا المرض ونشر الثقافة حوله، فعلى سبيل المثال، أشارت نتائج استطلاع الرأي العام في مقاطعة تارانت بولاية تكساس، التي أجرتها رابطة الصحة العقلية في المقاطعة وجامعة نورث تكساس في دينتون، إلى أن 50٪ من الناس يعتقدون أن الاكتئاب قد ينجم عن ” خيبة الأمل وتوقع الكثير من الحياة “، وقال أكثر من 60 في المئة في استطلاع الرأي، أن العلاج الفعال للاكتئاب هو” أن تتماسك في مواجهة صعوبات الحياة “.
إن الخرافات والجهل المحيط بالإكتئاب، تجعل التعافي صعباً جداً بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من هذا المرض، وفيما يلي سنذكر بعض الخرافات الشائعة حول الاكتئاب و نثبت خطأها.
– الخرافة الأولى : أن سبب الاكتئاب الرئيسي ضعف الإرادة والعزيمة في مواجهة المصاعب .
وفقا لاستطلاع الرأي المذكور أعلاه، فإن أكثر من 40 في المئة من الناس يعتقدون أن الاكتئاب هو نتيجة لعدم وجود قوة الإرادة.
قد نسمع الكثير من الأفكار لدى عامة الناس حول الاكتئاب، مثل لوم الأشخاص المصابين به لأنهم هم من تسببوا لأنفسهم بهذه الحالة و أنهم يجب أن يكونوا أكثر سيطرة على مشاعرهم وطريقة تفكيرهم .
 في الحقيقة، إن محاولة السيطرة على المشاعر والانفعالات لدى المصابين بالاكتئاب في مراحل متقدمة تجعل الأمور أسوأ بكثير مما كانت عليه.
 حيث أظهرت دراسة نشرت في أغسطس 2007 في مجلة علم الأعصاب أن أنماط المعالجة العاطفية التي تمنع الناس من الاكتئاب والقلق، وتعمل على كبح المشاعر السلبية لديهم، ذات أثر سيء على الأشخاص المصابين بالاكتئاب، حيث أنهم في الواقع، كلما حاولوا أكثر، ساهموا بتنشيط مركز الخوف في الدماغ، والذي بدوره سيغذيهم برسائل أكثر سلبية.         

-الخرافة الثانية : أن الإكتئاب ينتج عن حدث سيء في حياة الشخص .
 الأحداث السيئة والأوضاع الصعبة يمكن بالتأكيد أن تؤدي إلى الإحباط، ولكن الإكتئاب كمرض هو كيان منفصل و يختلف عن مشاعر الحزن وخيبة الأمل .  الاكتئاب ليس حالة من الحزن العادي أو خيبة الأمل، على الرغم من أن هذه المشاعر قد تمتزج مع أعراض الاكتئاب في الأيام والأسابيع المحيطة بالأحداث السلبية .
ويوضح ريموند ديباولو جونيور، أستاذ الطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز في كتابه “فهم الاكتئاب”، أنه يمكن أن تؤدي الأحداث السيئة أو أحداث الحياة المجهدة إلى الاكتئاب لدى بعض الناس والإحباط لدى الآخرين، و هذه الحالات إما أن تكون مرضاً أو استجابةً طبيعية لسوء الحظ “.  كما يبين أن الناس الذين يصابون بالاكتئاب كردة فعل على الأحداث السيئة، عادة ما يكون لديهم الاستعداد الوراثي لهذا المرض ويتزامن ذلك مع مرورهم بحدث سيء وصادم في حياتهم . ومع ذلك، على الرغم من أن الحدث يمكن أن يسرع الدخول في حالة الاكتئاب، إلا أن الاكتئاب يبقى مرضاً قائماً بحد ذاته وأعراضه واضحة تماماً، مثل الخمول، وعدم القدرة على تناول الطعام، وعدم التركيز، والأرق، والأفكار الانتحارية، لذا ينبغي التعامل معه كأي مرض آخر يحتاج إلى العلاج والمتابعة . 

– الخرافة الثالثة : أن الأكتئاب ليس مرضاً حقيقياً
خلافاً للأمراض الأخرى مثل السكري، فإن الإكتئاب لا يمكن تشخيصه عن طريق اختبار دمٍ بسيط، وعلاجه ليس واضحاً ومعروفاً للجميع مثل الأنسولين، ومع ذلك، فهو مرض حقيقي لا ينبغي الخلط بينه وبين مجرد الحزن أو الضيق .
الاكتئاب ليس وضعاً يستطيع الشخص الخروج منه بسهولة، أو حالة ذهنية ناتجة عن التفكير السلبي، فهو  مرض معقد للغاية، يجمع بين المكونات الفسيولوجية والنفسية والاجتماعية، و هو يؤثر على شبكة معقدة من النظم البيولوجية المختلفة مثل الجهازالعصبي والجهاز الهضمي والغدد الصماء والجهاز التنفسي .
وتوصلت بعض الدراسات الحديثة إلى أن السبب في الإكتئاب، من الممكن أن يكون سبباً عضوياً بحتاً، مثل خلل في الفص الجبهي، أو الاختلالات الهرمونية، والاختلافات الجينية .

 – الخرافة الرابعة : أن الإكتئاب ينتج عن ضعف الإيمان :
إن الإيمان والشعائر العبادية سبب حقيقي في راحة النفس، والتخلص من المشاعر السلبية، و لكن عندما يتعلق الأمر بالمرض، فإننا يجب أن نقرن العبادة والإيمان بالأخذ بالأسباب والبحث عن العلاج المناسب للمرض الذي نعاني منه، فمهما كان مرض الاكتئاب شبيهاً بحالات الفراغ الروحي والتعاسة غير المبررة والتي يكمن حلها في العبادة والإيمان والقرب من الله  إلا أن هذه الحالات لن تكون مصحوبة بأعراض  الاكتئاب الواضحة والتي تحتاج إلى العلاج . 

– الخرافة الخامسة : أن النساء هن فقط من يصبن بالإكتئاب :
وفقا للمعهد الوطني للصحة العقلية، تعاني النساء من الاكتئاب بمعدل ضعف معدل الرجال تقريبا. وهناك عوامل كثيرة تسهم في اكتئاب المرأة، مثل التقلبات الهرمونية، ولا سيما في سن الإنجاب، والضغوط الاجتماعية، بما في ذلك المسؤوليات الأسرية . ومع ذلك، يواجه ما يقرب من 6 ملايين رجل في الولايات المتحدة الاكتئاب كل عام.
وعلى الرغم من أن أعراض الإكتئاب تتشابه في الرجال و النساء، إلا أن الرجال يتعاملون مع الاكتئاب بشكل مختلف عن النساء، مما يجعل إكتئاب الذكور أكثر صعوبة في التشخيص.
 على سبيل المثال، الرجال يميلون إلى أن يكونوا أكثر عرضة للتعرق والغضب، مقابل الحزن والبكاء في النساء، كما أن الرجال يكونون أكثر عرضة للانخراط في سلوكياتٍ متهورة، مثل التوجه إلى المخدرات والكحول، بينما تظهر الأعراض على شكل آلام جسدية في النساء، مثل الصداع، وآلام في الصدر، ومشاكل في الجهاز الهضمي. 

– الخرافة السادسة : إذا كان نظامك الغذائي صحياً و متوازناً، فلن تصاب بالإكتئاب .
هناك فائدة كبيرة في الحفاظ على النظام الغذائي المتوازن . ومع ذلك، فهذا ليس كافياً ليحميك تماماً من الاكتئاب، إن اتباع نظام غذائي يتكون أساسا من الفواكه والخضار والأسماك والحبوب الكاملة يرتبط بشكل كبير مع انخفاض خطر الاكتئاب . ومع ذلك، يبقى القول أن التغذية الجيدة هي كل ما تحتاجه لتجنب الاكتئاب خرافةً خطيرةً.
– الخرافة السابعة : أن مضادات الإكتئاب تتسبب في تغير كبير في الشخصية.
إن ما نسبته 10% إلى 20% من المرضى الذين يتعاطون مضادات الإكتئاب يتعرضون لبعض التأثيرات التي قد تغير سلوكياتهم وانفعالاتهم، و يحدث ذلك بسبب زيادة الجرعة عن حاجة المريض، أو عدم ملاءمة نوع الدواء له، وسرعان ما تزول هذه الأعراض عند ضبط الجرعة أو تغيير الدواء، وبشكل عام فإن معظم المرضى الذين يتناولون الأدوية المضادة للاكتئاب تحت إشراف طبي دقيق لا ينتهي بهم الأمر بفقدان الشعور أو عدم التجاوب العاطفي مع مواقف الحياة العادية، بل على العكس، فهم يسترجعون قدرتهم على التمتع بالحياة مرة أخرى، بكل أفراحها وأحزانها.